المسؤولية المجتمعية- نضج الفرد وتنمية المجتمع
المؤلف: عبدالله بن رابح الشريف11.14.2025

إن المسؤولية المجتمعية قضية جوهرية ترتبط بالإنسان ارتباطاً وثيقاً، فهو الكائن الوحيد القادر على حمل هذه الأمانة العظيمة. هذه المسؤولية تترتب عليها أفعال وممارسات، سواء كانت إيجابية تثري المجتمع أو سلبية تضر به. إنها خاصية إنسانية أصيلة، فالإنسان وحده من بين المخلوقات يتمتع بالعقل والإرادة والحرية، وهي الشروط الأساسية لتحمل المسؤولية. فالفطرة الإنسانية تجعل الإنسان مسؤولاً ومؤتمناً على مجتمعه.
ولا تقتصر المسؤولية المجتمعية على الفرد فحسب، بل تشارك في تنميتها مؤسسات تربوية عديدة، كالأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والمؤسسات الإعلامية. هذه المؤسسات تلعب دوراً تثقيفياً هاماً في إعداد الأجيال الشابة وتحمليها المسؤولية. ومما لا شك فيه أن الشعور بالمسؤولية والالتزام بها يقود الإنسان إلى التكيف النفسي والاجتماعي، ويساعده على تخطي العقبات والصعاب التي تواجهه. فالإحساس بالمسؤولية المجتمعية هو شعور داخلي يجعل الفرد يتحمل مسؤولية سلوكه، ويقتنع بأفعاله، ويكون متحمساً لدوره في المجتمع دون تقاعس أو تردد.
إن تحمل المسؤولية المجتمعية يعكس النضج النفسي والعقلي للفرد، واستعداده للعمل من أجل مصلحة المجتمع. فإذا استشعر كل فرد مسؤوليته تجاه الآخرين، وتجاه العمل الذي يقوم به، لتقدم المجتمع وازدهر، وعم الخير أرجاءه. فالشخص السوي هو من يشعر بالمسؤولية المجتمعية تجاه الآخرين، ويسعى دائماً لمساعدتهم وتقديم الدعم لهم. ومن هنا، تبرز أهمية تفعيل الدور الإعلامي والتربوي في تنمية المسؤولية المجتمعية، والاهتمام بقضايا الرأي العام، وتسليط الضوء على النماذج الناجحة في المجتمع، والتي تعتبر قدوة حسنة في المسؤولية المجتمعية، ونموذجاً يحتذى به للشباب. إضافة إلى توفير الدعم الإعلامي الذي يشجع الشباب على الانخراط في العمل الاجتماعي وقوافل التنمية الاجتماعية، والتعاون مع المؤسسات المجتمعية التي تعمل على تعزيز المسؤولية المجتمعية. ولا ننسى ما يزخر به تراثنا الإسلامي والوطني من نماذج رائعة في هذا المجال.
علاوة على ذلك، من الضروري تنقية أذهان الشباب وأفكارهم من الشوائب والأفكار الدخيلة والهدامة، ومما يطرحه البعض على مواقع التواصل الاجتماعي من محتويات تافهة لا تعود بالنفع على المجتمع. فمجتمعنا يضم نخبة من الخبراء والمختصين الذين يقدمون المعنى الحقيقي للمواطنة والهوية، وهما مفهومان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالمسؤولية المجتمعية.
إن المسؤولية المجتمعية تتطلب تضافر الجهود على جميع المستويات. وما تقدمه قيادتنا الرشيدة من اهتمام بالشباب، والحوار معهم، وتوفير الفرص التي تساعدهم على خدمة المجتمع – وخاصة ما أولته رؤية 2030 من اهتمام بهذه الجوانب، وتأهيل للقيادات الشابة – هو خير دليل على أهمية هذا البعد، وعلى الوعي العميق لدى القيادة الحكيمة بأهمية تنمية المسؤولية المجتمعية لدى الشباب، فهم عماد المستقبل وثروته الحقيقية.
لقد خلق الله الإنسان وكرمه، وجعله خليفة له في الأرض، وزوده بالقدرات التي تمكنه من القيام بهذه المهمة العظيمة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المسؤولية والإنسان وجهين لعملة واحدة، لا ينفصلان طالما توفرت فيه المقومات السابقة. وهذا يدعونا إلى التأمل ملياً في مدى اضطلاع الإنسان بمسؤوليته تجاه نفسه وأسرته وزملائه ومؤسسات الدولة والمجتمع. ويعد الشباب هم الفئة الأكثر استحقاقاً للتأمل في مدى قيامهم بمهام مسؤولياتهم المختلفة، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الهائل وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وغياب القدوة الحسنة في بعض الأحيان، ولا سيما فيما يقدمه بعض مشاهير هذه المواقع.
